كما كان متوقعا تمسك النواب بموقفهم من التعديل الذي أدخلوه على قانون الضمان الاجتماعي والقاضي بشمول أعضاء مجلس الأمة بمظلة الضمان، وهى الإضافة التي رفضها مجلس الأعيان بالأغلبية.
لم يقف الأمر عند حد الخلاف التشريعي بين غرفتي مجلس الأمة، إنما تعداه لما يشبه السجال الحاد وتبادل الاتهامات والتشدد في المواقف، في سابقة لم نعهدها من الأعيان تحديدا.
الحكومة أيدت النواب في قرارهم، ولم يكن في بالها أبدا أن يقف الأعيان ضد هذا التعديل، لكنها فوجئت بالموقف وحاول عدد من الوزراء التأثير على الأعيان لرفض توصية لجنتهم القانونية، إلا انها لم تفلح في ذلك.
ضيق الوقت، كون المجلس ينعقد في دورة استثنائية كان مقررا فضها قبل يومين، وضع الجميع في ورطة بسبب موقف الأعيان المتشدد، فالتعديل المضاف من قبل النواب لم يكن هو المقصد من تقديم مشروع القانون المعدل، وهناك حزمة من المكاسب في التعديلات المتعلقة بشمول العسكريين بالضمان، ومعالجة الإشكالية الكبرى المتمثلة برفع سن التقاعد المبكر، إضافة للمادة الخاصة باستثناء المنشآت الريادية من ضمان الشيخوخة لأول خمس سنوات، باتت كلها في مهب الريح، إذا لم يقر القانون في الدورة الاستثنائية.
غدا سيجتمع مجلس الأعيان للنظر من جديد بقرار النواب، والمرجح أن يتمسك الأعيان بموقفهم الرافض للفقرة الخاصة بشمول أعضاء مجلس الأمة بأحكام القانون. وفي هذه الحالة لابد من عقد جلسة مشتركة لحسم الخلاف.
الجهات الرسمية التي تستعجل إقرار التعديلات لما لها من ارتباط مباشر بمصالح فئات مشمولة، تدفع باتجاه عقد الجلسة المشتركة يوم الخميس المقبل، لعلها تتمكن من تمرير القانون قبل فض الدورة الاستثنائية.
لكن حتى هذا الخيار دونه محاذير أيضا. إقرار القانون في الجلسة المشتركة يحتاج لموافقة ثلثي أعضاء مجلس الأمة، وإذا لم يتحقق ذلك يعود القانون برمته للحكومة، لتعيد بدورها تقديمه من جديد للمجلس في دورة عادية مقبلة. وهذا يعني فتح النقاش من جديد حول جميع المواد المطروحة للتعديل، بعدما استهلكت اللجنة النيابية المشتركة ومن قبل الحكومة أسابيع طويلة في نقاشها، ناهيك عن تجميد حقوق العسكريين المشمولين في التعديلات وتأجيل نفاذ التقاعد المبكر حسب الصيغة المعدلة على المشتركين الجدد.
في جلسة النواب يوم أمس حاول القانوني المخضرم في المجلس النائب عبد الكريم الدغمي مقاربة الموضوع من زاوية مختلفة، تؤيد شمول أعضاء مجلس الأمة من حيث المبدأ في قانون الضمان الاجتماعي لكنها تقترح طريقة تشريعية تتجنب الشبهة الدستورية المتمثلة بإضافة النواب فقرة جديدة للقانون خلافا لما ينص عليه قرار للمجلس العالي لتفسير الدستور الذي لم يبح ذلك الحق للنواب. لكن في اتجاه آخر ثمة رأي تشريعي دفع بأن إضافة فقرة لمادة لايعد مخالفة دستورية.
لكن في الحالتين بدأ الجدل متأخرا عن مجرى الأحداث رغم أن النائب الدغمي أثاره أول مرة قبل إقرار النواب للتعديلات.
المهم في الموضوع أن الحكومة تشعر أنها في ورطة لم يكن النواب سببا فيها كما درجت العادة، بل الأعيان، الذين طالما كانوا في صف الحكومات دائما.