الخميس 2024-12-12 14:39 م

"عدوس السرى" نزف ذاكرة بين قرنين

09:48 ص

الوكيل - استطاع الروائي السويسري، الليبي الأصل إبراهيم الكوني أن يلفت الأنباه كعادته إلى أعماله الاستثنائة بعد صدور الجزء الثاني من مذكراته 'عدوس السرى'، الصادرة عن ناشره المؤسسة العربية للدراسات والنشر.


وكان الجزء الأول من مذكرات الكوني الصادر عام 2012 قد حفل بميلاد الكاتب، ليس ميلاده الطبيعي، لكنه ميلاده الروحي كما يعبر، إذ شهدت تلك الفترة التي عايش فيها أواخر العهد الملكي الليبي، ما اعتقد أنه ميلاد جديد للشعب الليبي على يد ثورة القذافي، لكن سرعان ما رأى الكوني، وغيره من المنتسبين للأوساط الأدبية عداوة تلك الثورة للمثقفين.

وقد رأى الكاتب الذي صدر له أكثر من سبعين عملا روائيا، أكثرها رواجا ملحمته الكبرى 'المجوس' التي وصفها النقاد بأنها أحد الأعمال الأدبية الاستثنائية، رأى حينها أن البحث عن الذات في الوطن لم يعد ممكنا، ليلقي عصى الترحال نحو الاتحاد السوفيتي حينها بعد مضايقات في الوطن انتهت حينها بسحب جواز سفره، الذي استعاده بشق الأنفس.

وقد حظي الكوني في غربته تلك كما جاء في مذكراته، بأفضل ما يمكن أن يحظى به طالب، وهو الحصول على منحة دراسية، ليس من بلده كما درج حينها، لكن من الاتحاد السوفيتي، وفي أرقى معاهد الأدب في العالم حينها، معهد غوركي، ما كرس نظرة الشك تجاهه، والترويج بأنه عميل روسي ضد وطنه.

مذكرات الكوني التي يستمر في كتابة محطاتها، لم تكتب بأسلوب المذكرات المعتاد الدارج، لكنها مذكرات استثنائية لكاتب استثنائي، فقد أرخ الكوني وسجل في مذكراته روح تلك العقود التي عاشها، والتغييرات الأيديولوجية والاجتماعية التي عصفت بأجيال الخمسينيات وما بعدها، تلك الأجيال عاشت التوق لميلاد جديد منذ اندلاع عصر الثورات وصراع قطبين أحدهما شرقي والآخرغربي.

ولأنه وضع يؤرخ لتلك الأزمنة وما تمخضت عنه، ابتعد الكاتب عن التفاصيل الفضولية والشخصية التي تنهمر من البعض حينما يتصدون لكتابة مذكراتهم.

ولقد حاول الكاتب بعناء الدفع بالتهم التي وصم بها، من خلال محاولات العودة إلى الوطن بين مرة وأخرى، كون الخروج والبقاء خارج الوطن حينها يعد عقابا بحد ذاته عند النظام.

إبراهيم الكوني، اختارته مجلة لير الفرنسية كعربي وحيد بين أفضل خمسين كاتبا عالميا يمثلون القرن. نال في حياته عدة جوائز عالمية واوسمة دول كبرى لا يزال مهاجرا خارج وطنه، بعد أن شهد ميلاده الثاني، ميلاد المبدع كما يعبر، ذلك الميلاد الذي لن يشهد الحقيقة ولن يرى البرهان من لم يكتب له.

وكان الجزء الأول قد شهد رحلة الكاتب ومعاناته، ومشاهداته الأليمة وغربته الطويلة، بيد أن الجزء الثاني أيضا والذي استمرت فيه الرحلة وقف في عدة محطات تمثلت في التغيرات والتبدلات التي مر بها المجتمع العربي عموما، والليبي على وجه الخصوص، في وقت كانت فيه التقلبات السياسية في أوجها.

ولمن عرف أعمال الكوني فقد انتهج الكاتب أسلوبه الأدبي الذي انفرد به عن غيره من الكتاب، اسلوب الفيلسوف الأديب، المفكر والشاعر، أسلوب امتزجت فيه الحكمة بالعبرة، باستشهادات الكوني من شتى المعارف وعلى راسها الفلسفة والنصوص العالمية، ناهيك عن تجربة حظي بها الكاتب قل نظيرها، وهو أسلوب قد يستصعبه البعض، لكن الكوني الذي يصفه البعض بـ 'أديب المثقفين' يخالف ذلك، فالناس عنده إما راغب في القراءة أو غير راغب. محب للمحكمة أو غير محب.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة