كان العنوان أعلاه، عنوان مقالتي «عرض حال» عام 1984 في صحيفة «صوت الشعب» التي أغلقت في التسعينات.
نعم، أكلنا سلطة (بفتح السين لا بضمها) بدهانات الأملشن. والحكاية لا تختلف عن حكاية «الجميد البلدي»، الذي كشف اشقاؤنا المصريون كارثة الغش فيه، وظروف تصنيعه الفظيعة. وهو بالمناسبة جميدٌ مُصنَّع للأردنيين، هنا وفي بلاد الهجرة والاغتراب. والشر والغش والجريمة والفساد، موجود ما وُجد الإنسان، الذي يحاول تخفيف بلائها ووبائها، بوسائل «بعدية»، أي بعد أن تقع الفاس بالراس ويبتلع الناس الطُّعم في الطعام، دون جدوى. أمّا السلطة بالاملشن، فهي نتيجة إضافة الأصباغ والمبيضات المستخدمة في دهانات الأملشن، إلى السمسم السائل، ذي اللون المائل الى السواد، ليصبح لونه أبيض، فتصبح الطحينية التي تصنع من السمسم، بيضاء. وهكذا، أكلنا «بهالزمانات» سلطة بالطحينية بالأملشن.
لم يرف جِفنٌ، لمن غشنا بالأملشن. المهم عنده أن يتغلب على سمار الطحينية لتصبح بيضاء أو «أف وايت» !! ويصبح منظرها مقبولا ومستساغا.
وللإنصاف والحق، فإن شباب الوطن، في دوائر الرقابة الصحية والغذائية والسلع المتعددة، يبلون بلاء ممتازا، ويحاولون ما استطاعوا، دون أن يهلكنا دواعش وأوباش الداخل الوحوش، الذين لو كانت العقوبات على مقارفاتهم مغلّظة، لخفّت شرورهم وانخفضت، إلى الحدود الدنيا.
ففي الأثر الثابت المعروف، عن أميري المؤمنين، عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان، رضي الله عنهما «إن الله ليزع بالسلطان، ما لا يزع بالقرآن». دلالة على أن فينا من يخاف من العقوبات، أكثر من مخافة الله. و من منا لم يسمع، عن النبي عليه السلام قوله: «من غشنا فليس منا»، كلنا سمعنا ذلك القول، الغشاشون والمغشوشون، ولكن الطمع والشر والجريمة المتأصلة في الغشاشين، أقوى من مخافة الله عندهم.
إن المطالبة بتغليظ العقوبة، مرات وليس مرة، سببه أن المواد الكيماوية-السموم، المستخدمة في الانتاج والتصنيع الغذائي، تلحق أضرارا بالصحة العامة، لا تظهر فورا. التحقيقات في مصنع الجميد البلدي، يجب أن تكشف لنا، السّفاحَ المجرمَ الذي يغشنا بلا رحمة. بدنا الجمل، وما حمل.