الأداء الأردني في معالجة كورونا مميز على الصعيدين العالمي والعربي. في الإجراءات والخطوات التي اتخذتها الدولة الكثير من الدروس والعبر التي يمكن اعتبارها نجاحا للحكومة والقوات المسلحة والمواطن على حد سواء. بالمقابل ارتكب البعض أخطاء تسببت في إبطاء التقدم نحو الأهداف. بعض هذه الأخطاء يحصل في إيقاع الروتين الاعتيادي والبعض الآخر مرتبط بالجهل والعناد.
خلال الأسابيع الماضية لم يبق وسيلة اتصال الا وحملت تحذيرات واضحة وإرشادات تفصيلية تحدثت عن طبيعة المرض وطرق انتشاره والأخطار الناجمة عن الإصابة به ونصحت الناس بالتباعد الفيزيائي وتجنب المخالطة والاهتمام بالنظافة الشخصية تجنبا للإصابة والعدوى.
نقلت الأخبار حجم الويلات والمصائب التي ألمت بالكثير من دول العالم وتوالي خسارتها الآلاف من المواطنين وما نجم عن ذلك من انهيار لبعض الأنظمة الصحية وفقدان قدرة البلدان على السيطرة والتحكم. في الصحافة المحلية والعالمية، أشاد العالم بالخطوات التي اتخذها الأردن، ورحب الأردنيون بإجراءات حكومتهم وتحول غالبية الناس الى مرشدين وكتاب وواعظين يثنون على الدولة ويدعون للانصياع لتوجيهاتها وتعليماتها.
الإجراءات الحاسمة والتوقع والانتظار التي شدت الأردنيين الى شاشات التلفزة لسماع ما ستقوله الحكومة وما حدث من تطور على سلوك الجائحة في البلاد تعرضت لتحديات وخيبات تسبب بها بعض المستهترين والمغامرين والأفراد الذين تغلبت أنانيتهم على انتمائهم فخاطروا بنقل الوباء الى العشرات من أحبائهم وأصدقائهم وجيرانهم من دون أدنى إحساس بالذنب أو الخوف من أي عقوبة أو حساب. الاستخفاف الذي أظهره البعض بشروط الصحة والسلامة أدى الى إصابتهم بالوباء وإخفاء تعرضهم له عن المخالطين الذين وقعوا ضحايا بريئة لهذا التعدي الخطير على حقوقهم في الصحة والسلامة والحماية.
الحكومة التي تتمتع بسلطات وصلاحيات واسعة بموجب قانون الدفاع أجلت الآلاف ونفذت حجرا شاملا لأسابيع أسهم في خلق حالة من الطمأنينة لدى الناس على حياتهم. لاحقا وبعد خروج المحجور عليهم اختارت الحكومة البروتوكول المتبع في العديد من دول العالم. بموجب قواعد البروتوكول يلتزم الأشخاص القادمون من المناطق الموبوءة بإجراء حجر ذاتي لمدة أسبوعين تجرى خلالهما فحوصات لتحديد فيما اذا كان الشخص مصابا أو خاليا من المرض. اليوم وبعد انتهاء الأسبوع الرابع على تطبيق هذا البروتوكول، ثبت وجود أشخاص يتحايلون على الالتزامات ويخرقون الشروط، مما يعرض سلامة مخالطيهم ويقوض جهود الدولة وينال من أمن وطمأنينة الناس.
في ضوء هذه الخروقات، تبدو الحاجة ملحة الى استبدالها بإجراءات وبروتوكولات أكثر صرامة وحزما. فمن الصعب المجازفة بالاعتماد على أحكام أشخاص يفتقرون الى الوعي ويقدرون الأمور بما يتوافق مع أهوائهم ومصالحهم الآنية الضيقة.
في معظم أيام الحظر، جرى الخرق لقواعده من دون الالتفات الى مسؤولياتهم تجاه سلامة المجتمع أو الاكتراث للقوانين والنصوص التي تعتبر هذه الخروقات أفعالا جرمية تستدعي الحبس والغرامة. البعض يرى في الخروقات مناسبة لإظهار حجم السلطة والنفوذ الذي يتمتع به ويتيح له أن يخترق القوانين التي لا يستطيع غيره اختراقها.
غياب المساءلة يشجع الأشخاص وغيرهم على ارتكاب أفعال مشابهة والسباق بين من يعتقدون أنهم شخصيات نافذة لاختبار قدراتهم وحجم نفوذهم، ما يبدد أثر الجهود الصادقة لأبناء وبنات المجتمع.
ما يزال الكثير من الأشخاص بعيدين كل البعد عن ثقافة سيادة القانون والانصياع للأوامر والتوجيهات. من المؤسف استمرار بعض الأشخاص ممن يتحصنون بالأدوار والمكانات أو الصلات والانتماءات استثمار أوضاع البلاد لبيان أنهم فوق القانون مستفزين مشاعر المجتمع ومخاطرين بكل ما عمل ويعمل الأردن على تحقيقه.
الوعود التي يقطعها المسؤولون بأنهم سينفذون القانون على كل من يخرق القوانين من دون تمييز وأيا كانت المواقع والمراكز التي يشغلونها تصبح بلا معنى وهم يرون النائب الذي خرق الحظر يعقد لقاء على وسائل التواصل يتبجح بأن لا أحد حاسبه فهو سالم غانم، كما تتناقل الأخبار مخالفات نائب آخر وهو يقوم بجهد منظم لجمع عشرات الأشخاص في حيز محدود خارج الأوقات المسموح فيها بالحركة معرضا حياة وسلامة الناس للخطر ومستهترا بمشاعر المواطنين وقوانين وأوامر الدفاع.
سيادة القانون لا تتحقق بكشرة مسؤول غاضب ولا بغضب وزير مؤدب، ولكنها تتحقق عندما يحاسب الناس على أخطائهم علنا وتصدر بيانات واضحة لنوع المخالفة واسم المتسبب بها ونوع وشدة العقوبة التي ألحقت به.