أعلنت الحكومة خطة إصلاح القطاع العام، واعتبر وزير الدولة لشؤون الإعلام، فيصل الشبول، أن لجنة تحديث القطاع العام المسار الثالث من مسارات التحديث الشامل التي تعمل عليها الحكومة بالتوازي مع التحديث السياسي، والاقتصادي.
بعيدا عن الانتقادات والتشكيك في المبادرات المطروحة في الأردن، فإن هذا الجهد يستحق التقدير، اختلفنا أو اتفقنا معه، فهو محاولة للإمساك على الجرح النازف، وسعي محمود لمواجهة التحديات والإخفاقات.
الملاحظات الأولية على خطة إصلاح القطاع العام، أو الإصلاح الإداري أنها ليست نهائية حتى وإن عرضها للرأي العام دولة رئيس الوزراء، فهى وفق ما أبلغني به أحد الوزراء لم تعرض على مجلس الوزراء لإقرارها، إضافة إلى أن الفريق الوزاري لم يكن فيها، وبعض المقترحات، والتصورات لم يعرفوا أسبابها، ودوافعها. إصلاح القطاع العام ليست المحاولة الأولى، وقد سبقتها محاولات عديدة لم تجد طريقها للنجاح، وأصبحت وثائق محفوظة في الأدراج، وكثيرا ما تحضر في النقاشات من قبيل التندر، ولذلك هناك من يعتقد أن مصير هذه الوثيقة الإهمال بعد ان تصطدم بعوائق لا تستطيع هذه الحكومة، أو غيرها مناطحتها. المؤكد أن الإدارة الحكومية في الأردن أصبحت جزءا أصيلا من المشكلة، بعد أن كان يضرب المثل في جودة عمل الإدارة العامة، وقدرتها على اجتراح الحلول.
في العقود الماضية نخرت الأمراض الجهاز البيروقراطي للدولة، واستخدمت التعينات لشراء الذمم، والولاء، وساد منطق الريعية في التعامل مع المجتمع لشراء سكوت الناس، وغابت قيم النزاهة والكفاءة في التعيينات، والترقي، وترسخت المحسوبية في آليات الإدارة والعمل.
صارت الواسطة هي الأساس، ولم تعد هناك مساءلة في المؤسسات العامة، فكل يتحصن خلف قوى مجتمعية، وشخصيات نافذة، أو أجهزة توفر له الحماية، والإفلات من العقاب، وهكذا ترنح القطاع العام، وأصبح معطلا، ومعيقا.
هل يستطيع دولة رئيس الوزراء بسلطته أن يقرر الاستغناء عن البطالة المقنعة في المؤسسات العامة، أو حتى ترشيق القطاع العام بشكل منصف، وعادل؟، الجواب، هذا صعب، ويكاد يكون مستحيلا في ظل ارتفاع معدلات البطالة، والفقر، وحسابات من سيغضب، ومن سيحتج؟
المشكلة المزمنة أن المؤسسات العامة صارت عند الناس معطلة لمصالحهم، وباتت مراجعة الدوائر الحكومية هما، فكل موظف أو موظفة ينظر، ويتعامل مع الوظيفة العمومية على أن من دخلها فهو آمن من الحساب، وكذلك التقييم، وينطبق القول «من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن».
طرح رئيس الوزراء بشر الخصاونة 7 أولويات لخطة الإصلاح في مقدمتها الخدمات الحكومية، تتبعها إجراءات الرقمنة، وبعدها الهيكل التنظيمي والحوكمة، ثم رسم السياسات وصنع القرار، فالموارد البشرية، والثقافة المؤسسية.
أتفق مع أولويات الرئيس، فالخدمات الحكومية تراجعت، ولا بد من تجويدها، وهذا مهم للمجتمع، ولخلق بيئة جاذبة للاستثمار، ولا يقل أهمية عن الرقمنة، أو الحكومة الإلكترونية التي كنا أول من طرحها في المنطقة، وتخلفنا عن الركب، وكثيرون تقدموا علينا، وجائحة كورونا أظهرت مدى الحاجة لمواكبة التحول الرقمي.
الهيكل التنظيمي طرح من قبل، وإلغاء وزارات، أو دمجها، أو تغيير الأسماء حدث مرارا، والتجارب كانت تقول إنها خطوات لم تدرس بشكل كافٍ، وتشاركية مع أصحاب المصلحة، والدليل الدعوة لإلغاء وزارة العمل، والحملات المجتمعية المضادة، لأهمية الأدوار التي تلعبها الوزارة، خاصة في الحمايات، والتنظيم.
إصلاح القطاع العام ممكن، وهناك تجارب متميزة في تقديم الخدمات للجمهور يجب الإشارة لها، مثل إدارة السير، ودائرة الجوازات والأحوال المدنية، فالناس تُشيد في الأداء، وفي سرعة الاستجابة لاحتياجاتهم، وهذا يعني أن وجود إدارة كفؤة، وبرتوكولات عمل محددة تحد من الترهل، وتحمي حقوق الناس في الخدمة، ويكون الأداء المتميز أساس الترقي، وليس المحسوبية، والنفاق.
الأرقام تقول بوجود 215 ألف موظف وموظفة في القطاع العام يشكلون 36 بالمائة من مجموع القوى العاملة، وفاتورة الرواتب السنوية للموظفين تصل إلى 5.8 مليار دينار سنويا، بمعنى 43.8 بالمائة من إجمالي حجم الموازنة العامة للدولة، وهو ما يشكل عبئا على الدولة، وتعتبره تشوها يحتاج إلى علاج جذري، إذا ما أضيف لكل الملاحظات السابقة على أزمات القطاع العام.
نريد ان نتفاءل أن خطة إصلاح القطاع العام ستؤتي أكلها، فهذا ليس خيارا، بل طريقا إجباريا للمرور في المئوية الثانية للدولة، لعلنا نستعيد بعض الألق، ويتصالح الناس مع مؤسسات الدولة بعد أن فقدوا الثقة في كثير منها.