يبدو أن نعمة الأمن والأمان لم تعد تمنحنا الرضى والسعادة ! هناك بضعة محددات أخرى تدفعنا كما يبدو الى تخوم الكآبة. لو استخدمنا مؤشرا يتذبذب يسارا ويمينا ما بين قمة السعادة (يعني رقم 1) وقمّة التعاسة (يعني رقم 10) فنحن نراوح حول رقم 8,5 وهذا الرقم استخرجته بنسبة موقعنا في الترتيب العالمي للبلدان في مؤشر السعادة الذي تم نشره أمس.
اسمحو لي أولا أن أشرح بإيجاز عن هذا المؤشر حتى نقبل اعتماده وكل التفاصيل منشورة على موقع تقرير السعادة العالمي ( https://worldhappiness.report ) وينشر التقرير بمناسبة يوم السعادة العالمي ( 20 آذار ) الذي اقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في حزيران 2011 وتم الاستناد عليه منذ العام 2012 لإصدار هذا التقرير الذي تعده مجموعة من الشخصيات المستقلة بدعم من عدة جهات ومؤسسات أكاديمية وبحثية من بينها معهد الأرض في جامعة كولومبيا كما يوفر معهد جالوب الأشهر عالميا المسوحات الى جانب معطيات أخرى متوفرة دوليا يستند اليها المؤشر وتدخل في معادلة النقاط مثل معدل دخل الفرد وحصته من النمو في الناتج المحلي ومعدل الأعمار ومدركات الفساد .. الخ. وهناك مسوحات خاصّة بالتقرير يجريها معهد جالوب على محاور مختلفة من خلال إستطلاع لعينات من حوالي الف شخص في البلد الواحد. أحدها مثلا يطلب تقييم الشخص لحياته الحالية على سلم من 10 درجات فيكون رقم 1 أسوأ شيء ورقم 10 افضل شيء. وهناك استطلاع على محور المشاعر السلبية والايجابية ويتضمن أسئلة مثل كم إستمعت بنهارك أمس؟ وكم ضحكت؟ أو كم شعرت بالقلق؟ أو الأسى؟ أو الغضب؟ وهناك محور الثقة.. كم تثق بالحكومة، أو القضاء، أو الانتخابات؟ أو الشرطة ؟ ومحور الحرية وتقرير المصير بالسؤال عن مدى احساس الفرد بحرية الاختيار ووجود فرص متعددة لحياته. وهناك أسئلة عن التضامن الاجتماعي والدعم والرعاية وكرم السلوك مثل سؤال كم تبرعت بمال خلال السنة الماضية؟
بالمعدل الاجمالي احتلت فنلندا الموقع الأول وللسنة الرابعة على التوالي بينما احتلت افغانستان الموقع الأخير بين 149 بلدا. ونحن في الأردن؟! نحن في الموقع 127. فعلا شيء يبعث على الأسى. ولا حاجة للتشكيك فهناك جداول مفصلة لكل محور ونلاحظ كيف تتغير مواقع الدول فيها. ففي معدل دخل الفرد ترجع فنلندا الى الموقع 19 ونحن نتقدم الى الموقع 91 وبمعدل الأعمار نتقدم الى الموقع 67 لكن معايير اخرى تعيدنا الى الوراء كثيرا. هل نضع جزءا من الحق على طباعنا الخشنة وصفتنا المعروفة كشعب كشور. حسنا مصر تقف وراءنا في الموقع 132وهم شعب المرح الضحك والنكات. يمكن التشكك في دقة المسوحات لكن هذا ينطبق على الجميع ولا مصلحة أو سبب لوضعنا تحديدا في هذا الترتيب بين جميع الدول واعتقد أننا موجودون بعدالة في الموقع الذي نستحقه.
قبل فترة وجيزة صدر مؤشر الديمقراطية وكنا في الموقع 118 واذا افترضنا ان مؤشر السعادة محصلة لعدة مؤشرات تنعكس على المزاج العام من الديمقراطية والمشاركة العامة الى التنمية البشرية والثقة والأمن المعيشي والرخاء وانعكاس كل ذلك في تشكيل المزاج العام فنرجو استخلاص النتائج بنزاهة وإخلاص. نحن لسنا بخير، الأردنيون يعانون وبنسبة 85 % تعساء. بالله عليكم لا تكابروا. الاعتراف بالمشكلة نصف الحلّ.