الأربعاء 2024-11-20 07:30 ص

دولة واحدة لا دولتان

04:03 م
لقد انتهى من زمان مؤهلات حل الدولتين بدءاً من أوسلو وانتهاء بالمستوطنات، فقد قسمت أوسلو أرض الضفة إلى ثلاثة أقسام: قسم ( أ/A) ومساحته ثلاثة في المائة من مساحة الضفة، و (ب/B) ومساحته خمسة وعشرون في المائة منها، و (ج/C) ومساحته اثنان وسبعون في المائة منها: الإدارة والأمن في القسم الأول للسلطة. والإدارة في القسم الثاني للسلطة والأمن لإسرائيل. والإدارة والأمن في القسم الثالث لإسرائيل، وهو الجزء الذي تملأه إسرائيل بالمستوطنات، فأين ستقوم الدولة الفلسطينية بعد ذلك وقد أعطت أوسلو لإسرائيل الأمن في تسعة وتسعين في المائة من مساحة الضفة؟ وأين ستكون الدولة بعد إنشاء مئات المستوطنات واستيطان مئات آلاف المستوطنين فيها وحيث نشأ فيها جيل يهودي يعتبرها مسقط رأسه ووطنه؟


هل يخطر ببال عاقل أن الصهيونية واسرائيل كما نعرفهما ستقتلع هؤلاء المستوطنين سلمياً تنفيذا لحل الدولتين؟ ربما يخطر على بال العازفين على هذه الأسطوانة بقاؤهم كمواطنين في الدولة الفلسطينية، وعلى غرار ما هو حاصل في اسرائيل 1948 – 1967 ، حيث يوجد ملايين الفلسطينيين يعيشون فيها «كمواطنين» إسرائيليين. لو ان حكومة اسرائيل هذه توافق بالفعل على حل الدولتين وتبدأ بتنفيذه لقام المستوطنون المسلحون وانصارهم بإعلان قيام دولة اسرائيلية صهيونازية توارتية ثانية فيها.

لعل قيام دولتين متناوبتين: واحدة اسرائيلية صباحية، والأخرى فلسطينية مسائية في فلسطين أقرب إلى العقل من قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة داخل حدود سنة 1967. إن نجوم السماء أقرب إليك من هذا الاحتمال لأن اسرائيل بدون يهوذا والسامرة (الضفة) تفقد روايتها يهودياً وصهيونياً وعالمياً. وعليه أدعي ان جميع مؤهلات حل الدولتين انتهت من زمان، فلماذا تستمر السلطة ومن يؤيدها في العزف على اسطوانته المشروخة المزعجة للأذن؟ لعل البديل المعقول والمقبول والممكن والمحتمل هو حل الدولة الواحدة بعد أن أصبح عدد الفلسطينيون في وطنهم فلسطين/ إسرائيل أكبر من عدد اليهود فيه، إن لم يكن اليوم فغداً وإن غداً لناظره قريب.

لقد ظل الزمن يلعب لصالح اليهود منذ وعد بلفور وحتى سنة 1967 حين بدأ يلعب « سراً» لصالح الفلسطينيين بعد ابتلاع اسرائيل لكل فلسطين والجمل بما حمل. لقد بلغت اسرائيل المنجل بانتصارها في سنة 1967 أي أن الفلسطينيين أُدخلوا فيها كالمنجل في أحشائها. لقد دخل السبت فيهم في الخامس من حزيران سنة 1967. ولعل سياسة إسرائيل الإرهابية التي لم يسبق لها مثيل في العنف والمنوعات والتفاصيل ضد الشعب الفلسطيني دليل على الألم المرير الدائم الذي تعاني منه بهذا المنجل. لقد تفوقت اسرائيل على النازية في اضطهادها اليومي للفلسطينيين على اضطهاد النازية لليهود أنفسهم في أوروبا.

إنّ الدولة الواحدة آتية لا ريب فيها على الرغم من ذلك، وإن كان الغباء السياسي الاسرائيلي لا يجعل الإسرائيليين يرونها وأنها قريبة شاؤوا أو أبوا، وإسرائيل باضطهادها اليومي للفلسطينيين ترفع نسبة المواليد عندهم طردياً مع شدة هذا الاضطهاد. كما ترتفع هذه النسبة عند جملة اليهود الارثوذكس جراء إحساسهم بالقلق الوجودي العميق الناجم عن الصمود والمقاومة. أما الدليل الآخر عليه فاقتناء كثير جداً من اليهود في فلسطين/ اسرائيل أكثر من جواز سفر لكل منهم للفرار إلى بلده الأصلي عند اللزوم.

بعد عشر أو عشرين أو ثلاثين سنة سيصبح عدد الفلسطينيين في فلسطين/اسرائيل أكبر من عدد اليهود في العالم أجمع. ومع هذا يضع كثير منا يده على قلبه من ترديد المتطرفين اليهود مثل إتمار بن غبير وبتسائيل سموترتيش… لأطروحة الترانسفير/التهجير وزعبرتهم اليومية في ساحات المسجد الأقصى وعزمهم على هدمه وإقامة الهيكل الثالث(؟) مكانه، فتعالوا نجرب الترانسفير:

إذا قررت اسرائيل طرد الفلسطينيين مرة واحدة وبالجملة، فإنها ستكون بحاجة إلى مائة وعشرين ألف باص لنقلهم سعة خمسين راكب لكل منها إلى حيث تريد، أو إلى ألف ومائتي سفينة ركاب سعة كل منها خمسة آلاف راكب، أو إلى خمسة عشر ألف طائرة بوينج 747، فأين هي؟ وإلى أين ستلقيهم؟ في الأردن – مثلاً- أو في مصر؟ لكن يوجد بينها وبينهما معاهدات سلام استماتت في تحقيقها تمنعها من ذلك. وإذا فعلت فإنها تجعل الحدود الطويلة مفتوحة لمقاومة فلسطينية عربية تجتاجها. كما لا تجرؤ على إلقائهم في لبنان أو في سورية ولأسباب وعوامل معروفة، فهل ستلقيهم في اميركا؟ هل أميركا مستعدة وجاهزة لاستيعابهم بإخلاء ولاية أو اثنتين لهم؟ أو في استراليا؟ فهل اقتطعت لهم مساحة مساوية لمساحة فلسطين ومماثلة لها جغرافياً وطبوغرافياً، وبكل مدنها وقراها وخَرِبِها كي يمتطوا وسائط النقل فرحين بنقلهم إلى فلسطين الحديثة.

يوسوس هذا المصطلح/ الترانسفير في صدور بعضنا أن الفلسطينيين سيستسلمون له دون مقاومة!!! أما عن التهجير أو الهجرة فإنهما يحدثان بالآحاد وفي كثير من بلاد العالم ولكنهما في فلسطين يحتاجان إلى مئات السنين لتخلو فلسطين من أهلها، لأن كل واحد يُهجّر أو يهاجر يقابله عشرة مواليد.

إن أسطوانة الترانسفير مشروخة مثل أسطوانة حل الدولتين، فلا يطرب لها أحد. لقد آن الآوان للعزف على اسطوانة الدولة الواحدة. وحتى لو هدم أمناء الهيكل المسجد الأقصى وأقاموا الهيكل مكانه، فإنهم لن يستطيعوا منع قيام الدولة الواحدة. وكما ترون فإن أي حديث عن الوطن (السياسي) البديل حديث خرافة يا أم عمرو.
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة