في ظل تواتر الحديث عن تفكير حكومي بإلغاء برنامج الموازي في الجامعات الرسمية، فقد ظهرت على السطح تخوفات بان يترافق ذلك مع رفع رسوم التنافس، وعبرت الحملة الوطنية للدفاع عن حقوق الطلبة (ذبحتونا) عن ذلك بشكل واضح من خلال بيان أصدرته بهذا الصدد، منوهة أن إلغاء الموازي مرحب به شرط عدم المس برسوم التنافس.
وكما هو معلوم فان فكرة إلغاء الموازي ليست جديدة فقد تم طرحها في العام 2006، واتخذ قرار رسمي بإلغائه بالتزامن مع تشكيل لجنة لدراسة رفع رسوم التنافس، وهو الأمر الذي أدى لاحتجاجات طلابية اثمرت في نهاية المطاف عن التراجع عن الفكرة سواء فكرة إلغاء الموازي أو رفع الرسوم.
شخصيا، لست ضد إلغاء نظام الموازي في الجامعات، واعتقد انه غير دستوري، وفكرة إلغاء الموازي لو ترافق مع عدم التفكير برفع رسوم التنافس فانه تطور إيجابي يتوجب البناء عليه لتنفيذ خطة إصلاح شاملة وبناء إستراتيجية وطنية لتنمية الموارد البشرية، وهذا يتطلب إعادة النظر بكل الأشكال الأخرى التي أدت لتراجع أعداد المقبولين بالجامعات على نظام التنافس. إن التفكير بإصلاح التعليم يلزمه إعادة النظر بكل الأشكال الأخرى ومنها الاستثناءات في قبول الجامعات، وإعادة الاعتبار للإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية التي كان عرابها وزير التعليم العالي الحالي، ولذا يتوجب على الوزارة وعلى وجه السرعة تنفيذ برنامج إصلاحي شامل للتعليم وتنفيذ خطة إستراتيجية تشمل إعادة النظر بسياسات القبول وغيرها من أمور تفصيلية بات واجبا تعليق الجرس لبحثها.
إن الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية التي اعتمدت العام 2016 أوصت وقتذاك بإلغاء برنامج الموازي إلى جانب اختيار آلية محددة لسياسات القبول الجامعي، وتوفير فرص قبول عادلة ونزيهة لجميع الطلبة بناء على الجدارة والقدرات، ورفع مستوى التعليم والتعلم في قطاع التعليم العالي بشكل يواكب أفضل الأساليب المتبعة في الجامعات الحديثة، ورفع مستوى البحث العلمي إلى المستويات العالمية وربطه بأهداف التنمية الوطنية الشاملة، وتشجيع الجامعات على تحمل مسؤولية أكبر وتحفيزها على المساهمة بشكل فعال في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الوطنية، وتهيئة بيئة جامعية مناسبة ومحفزة للإبداع والتميز من جهة وقادرة على إشعار الطالب بالطمأنينة والعدالة والمسؤولية والانتماء الوطني يسود فيها الحوار الهادف وقبول الرأي الأخر، ودمج التكنولوجيا في التعليم الجامعي لتحقيق كفاءة وفاعلية أفضل في مخرجات التعليم، وتعديل أسس القبول في الجامعات الرسمية، وتنظيم استثناءات القبول الجامعي، والبرنامج الموازي.
وأوصت اللجنة فضلا عن تعديل أسس القبول في الجامعات الرسمية، بربط عملية التعليم بـقدرة الطالب ورغبته، بحيث لا يتم الاقتصار على اعتماد امتحان شهادة الثانوية العامة كمعيار وحيد للقبول في الجامعة بحيث تأخذ الجامعات دورا في وضع معايير إضافية تضمن المواءمة بين قدرة الطالب ورغبته والتخصص الدراسي الملائم، والذي يمكن تطبيقه إما من خلال امتحان الثانوية العامة بالإضافة إلى السنة التحضيرية، أو امتحان الثانوية العامة بالإضافة إلى معيار تضعه كل جامعة ويقره مجلس أمنائها. إننا في ظل ارتفاع وتيرة الحديث عن إلغاء الموازي فان ذاك يتطلب الذهاب لإصلاح شامل وحقيقي وواسع في التعليم العالي ولعل أبرز ذاك يتأتى من خلال مراجعة سياسة الاستثناءات المرتفعة في التعليم، وإعادة النظر في أسس الابتعاث، وترك الجدارة هي التي تحكم الابتعاث بعيدا عن الواسطة والمحسوبية والمناطقية وغيرها، والتأسيس لإلغاء الموازي في الجامعات باعتباره مكلفا ماديا، إذ إن فكرته تقوم على انه من يملك المال يملك المقعد الجامعي، ما يتطلب إعادة النظر به ترسيخا للعدالة المجتمعية وتحقيقا للمساواة بين الطلبة.